قصة سيكارة
انا لفافة من التبغ صغيرة الحجم، انيقة المظهر، عُرفت من قديم الزمان، ولي اصدقاء كثيرون في كل مكان. ألبس رداءً جميلا من الورق الابيض، واسكن داخل علبة انيقة مزينة برسومات جميلة، وانت تجدني في كل مكان تقريباً، فأنا احتل مركزا ممتازاً في جيوب اصدقائي، وأستقر في مكاتبهم نهارا، وتحت وسائدهم ليلاً. واشغل مكانا كبيرا في واجهات المحلات، وأرفّ الدكاكين، ويافطات الاعلانات الضخمة ذات الألوان المضيئة، وتجد صورتي في الجرائد والمجلّات، ورائحتي تملأ أجواء الصالونات والقطارات والسيارات.
لقد توطدت صداقتي مع الكثيرين منذ زمن بعيد، فإن نسبة كبيرة من اصدقائي تعرفوا بي وهم بعد احداث في سن المراهقة، فوجدوا فيّ شبعا لغرورهم وعلاجا لمركب النقص فيهم، إذ أُظهرهم بمظهر الرجولة واوحي لهم بالاعتداد بالذات.
أمّا عن قوتي وتأثيري فحدّث ولا حرج، فأنا أحوي 19 مادة كيماوية لكل منها تأثير خاص وأهمَّها النيكوتين. عن طريق هذه المواد المختلفة, وبما لي من سلطات في تكوين عادة، أضمن سيطرتي الكاملة على كل قوى الانسان حتى لا يستطيع مني فكاكاً.
وأنا أسير عادة في طريق مُعيّن، فأبدأ من اصابع اليد حيث أضع وصمتي عليها، ثم انتقل إلى الفم حيث أترك أثاري على الأسنان، ثم اتجه إلى الحنجرة فألهبها، ومن هناك انزل في القصبة الهوائية حتى أصل إلى الرئتين، فأحدث احتقانا والتهابا في اغشيتهما المخاطية التي تشكو وتئن بصوت مرتفع يسمونه السعال الذي لا يتأثر بأي دواء من أدوية السعال المعروفة. وأحياناً اتسبب عن غير قصد مني في اصابة بعض اصدقائي بسرطان الرئة. ومن الرئتين اشق طريقي الى الدورة الدموية حيث اترك رواسبي على جدرانها فأصيبها بتقلص الشرايين وتجلُّط الدم احيانا، ثم أصل إلى القلب فأزيد من عدد ضرباته وخفقاته. وفي امكاني أن أؤثر على المعدة فأفقدها الشهية وأصيبها بالتهابات قد تصل إلى حد التقرح. وفي مقدرتي أيضا أن أؤثر على الجهاز العصبي فأجعله قلقا مضطربا. وعلى العينين فيصعب عليهما رؤية الأشياء بوضوح. وقد حاول بعضهم ان يضعف تأثيري عليهم، فوضعوا داخلي قطعة من الفلتر، ولكنها لم تستطع ان تحجز سوى 20 بالمئة مما احتويه. ولكن تأثيري الأكبر هو على نفسية أصدقائي، إذ أوحي لهم باستحالة البعد عني, واخيفهم وأزعجهم من محاولة تركي. وبذلك تضعف مقاومتهم تدريجياً ويفقدون ثقتهم بأنفسهم، فيستسلمون، ويصبحون لي عبيداً أذلاء.
وإن كنت آسفة على شيء، فهو لأن بعضاً من أَعَزّ أصدقائي قد استطاعوا الافلات من قبضة يدي. لقد شعروا بالخسارة من السير معي وتأكدوا من الخطر المحدق بهم وبحياتهم الأبدية، فصرخوا إلى الله طالبين النجاة مني، ووثقوا في دَمّ يسوع المسيح ابن الله الذي يُطهّر من كل خطية, وأخضعوا ارادتهم لسلطان الروح القدس فتغيرت حياتهم كلها. فأعلنوا عندئِذٍ غضبهم عليّ ومزقوني إرباً إرباً, وطرحوني ارضاً وداسوا عليّ بأقدامهم. ومنذ رجوعهم إلى الرب انقطعت صِلَتي بهم وتحوَّلت صداقتهم لي إلى حرب شعواء أعلنوها عَلَيّ, لكي يفقدوني بقية اصدقائي الذين قد تكون أنت منهم.
فيا صديقي المدخّن أرجوك, لا تتركني مُلتجأً إلى المسيح, بل تمسّك بي, لأفعل بك, ما فعلت بغيرك!!